حذر سماحة الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء
من سب الرياح والغبار التي تشهدها اغلب المناطق العربيه هذه الأيام.
وأكد سماحته أن ما يعمد إليه بعض الناس من سب الرياح والغبار
لا يجوز إذ إنها تأتي بأمر من الله عز وجل.
ولفت سماحة المفتي إلى أن من السنة عند هبوب الرياح والغبار أن يسأل
المسلم خيرها وخير ما فيها ويتعوذ بالله من شرها مستشهداً بحديث الرسول
صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم
إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر
هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به).
ريح مخلوق من مخلوقات الله مسخر، وهي واحدة الرياح، يجريها الله -جل وعلا-
كما يشاء، وهي لا تملك شيئا، كالدهر لا يملك شيئا، ولا يدبر أمرا.
فسب الريح كسب الدهر، يرجع في الحقيقة إلى أذية الله -جل وعلا-؛
لأن الله
هو الذي يصرف الريح كيف يشاء، يأتي بالريح بأمر مكروه، فيُذكِّر العباد
بالتوبة والإنابة، ويذكر العباد بمعرفة قدرته عليهم، وأنه لا غنى لهم عنه
-جل وعلا- طرفة عين، ويأتي بالريح فيجعلها رياحا، فيسخرها -جل وعلا-
لمافيه مصلحة العباد.
النهي عن سب الريح، وسب الريح يكون بشتمها، أو بلعنها، و قول الله -جل
وعلا-: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ
وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ هذا وصف لها،
ووصفها بالشدة، أو وصفها بالأوصاف التي يكون فيها شر على من أتت عليه،
كقوله: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ
كَالرَّمِيمِ ليس هذا من المنهي عنه.
قال: عن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من
خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرت به .
هذا يدل على أن الريح يكون فيها أمر، ويكون عليها أمر ونهي، والله -جل
وعلا- يرسل الرياح كيف يشاء، ويصرفها أيضا -جل وعلا- عمن يشاء، فهي مسخرة
بأمره -جل وعلا-، والملائكة هي التي تصرِّف الريح بأمره -جل وعلا-، فللريح
ملائكة تصرِّفها كيف شاء ربنا -جل وعلا- وتقدس وتعاظم، فيها خير،
وقد يكون فيها عذاب.
ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: إذا رأيتم ما تكرهون فقولوا فأرشدهم إلى
القول الآتي، وما يكرهون قد يكون من جهة صفة الريح، وقد يكون من جهة لون
الريح، يعني صفتها من جهة السرعة أو الاتجاه، وقد يكون من جهة لونها، وقد
يكون من جهة أثرها.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا رأى شيئا في السماء أقبل وأدبر،
ودخل وخرج، ورئي ذلك في وجهه، حتى تمطر السماء فيُسرَّى عنه ويُسرُّ -
عليه الصلاة والسلام-. قالت له عائشة: يا رسول الله لم ذاك؟
قال: ألم تسمعي
لقول أولئك -أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-: فَلَمَّا رَأَوْهُ
عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا
بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا .
فإذن الخوف من الله -جل جلاله- إذا ظهرت هذه الحوادث أو التغيرات في
السماء أو في الأرض واجب، والله -جل وعلا- يتعرف إلى عباده بالرخاء،
كما أنه يتعرف إلى عباده بالشدة؛ حتى يعرفوا ويعلموا ربوبيته وقهره وجبروته،
ويعلموا حلمه وتودده ورحمته أيضا لعباده.
فإذن إذا رأى العبد ما يكره ضرع إلى الله، واستغاث بالله، وسأل الله
بقوله: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به،
ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به صححه الترمذي.
أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلكم مبارَكين، وأن ينفع بكم وبما تعلمتم، وأن
يجعلنا وإياكم من ورثة جنة النعيم، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في
أمرنا، وأن يجعل وسيلتنا التوحيد، وأن يجعل وسيلتنا إليه الإخلاص، فإنا
مذنبون، ولولا رحمة الله -جل وعلا- لهلكنا، فاللهم فاغفر لنا، وصلى الله
وسلم وبارك على نبينا محمد.